كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال حجة الإسلام هذا الحمل حقيقي قيأتي به حاملاً له معذباً بحمله وثقله يعدل الجبل العظيم مرعوباً بصوته وموبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد والملائكة تنادي هذا ما أغله فلان بن فلانة رغبة فيه وشحاً ‏(‏أي أن الشخص يحشر يوم القيامة وهو حامل على عتقه ما أخذه بغير حق‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ وفي الصحيحين وغيرهما ما هو صريح في ذلك أهـ‏)‏ وذهب بعضهم إلى أن الحمل عبارة عن وزر ذلك وشهرة الأمر أي يأتي يوم القيامة وقد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار إلى آخره ورده القرطبي بأنه عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه وقد أخبر المصطفى بالحقيقة فهو أولى إذ لا مانع وعورض بوجود المانع وهو أنه إذا غل ألف دينار مثلاً فهي أخف من البعير وهو بالنسبة إليها حقير فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه وأجيب بأن المراد بالعقوبة بذلك فضيحته على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة قال ‏[‏ص 124‏]‏ ابن المنير أظن أن الحكام أخذوا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث ونحوه ‏(‏تتمة‏)‏ أجمعوا على أن الغال يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة وكذا بعدها عند الشافعي رحمه الله تعالى فيحفظه الإمام كالمال الضائع وقول مالك يدفع الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فيه أنه لم يملكه فكيف يتصدق بمال غيره

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا ابن عساكر ‏(‏عن عبادة‏)‏ بضم العين المهملة وفتح الموحدة ‏(‏ابن الصامت‏)‏ الخزرجي من بني عمرو بن عوف بدري نقيب فاضل عالم جليل ممن جمع القرآن وولاه عمر قضاء فلسطين رمز المصنف لحسنه وهو تقصير إذ هو أعلى فقد قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الشافعي والبيهقي عن طاوس مرسلاً‏.‏

118 - ‏(‏اتق المحارم‏)‏ أي احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك ‏(‏تكن أعبد الناس‏)‏ أي من أعبدهم لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد وقال الذهبي هنا والله تكسب العبرات فيريد أن يكون يسيراً بكل واجب فيقوم به وعارفاً بكل محرم فيجتنبه ‏(‏وارض‏)‏ أي اقنع ‏(‏بما قسم الله لك‏)‏ أي أعطاك وجعله حظك من الرزق ‏(‏تكن أغنى الناس‏)‏ فإن من قنع استغنى ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس والقناعة غنى وعز بالله وضدها فقر وذل للغير ومن لم يقنع لم يشبع أبداً ففي القناعة العز والغنى والحرية وفي فقدها الذل والتعبد للغير تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق بالقسم والحظ لا بالعلم والعقل ولا فائدة للجد حكمة بالغة دل بها على قدرته وإجراء الأمور على مشيئته قال الحكماء‏:‏ ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم ونظمه أبو تمام فقال‏:‏

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل * ويكدى الفتى في دهره وهو عالم

ولو كانت الأقسام تجري على الحجا * هلكن إذن من جهلن البهائم

ومن كلامهم كم رأيت أعرج في المعالي عرج ‏(‏وأحسن إلى جارك‏)‏ بالقول والفعل والجار المجاور لك وما قرب من منزلك عرفاً ‏(‏تكن مؤمناً‏)‏ أي كامل الإيمان فإذا لم تقدر على الإحسان إليه فكف عن أذاه وإن كان مؤذياً لك فيلزمك الصبر حتى يجعل الله لك فرجاً قال الراغب‏:‏ والإحسان يقال للإنعام على الغير وللإحسان في فعله وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً وعليه قول علي كرم الله وجهه ‏"‏الناس أبناء ما يحسنون أي منسوبون إلى ما يعلمون ويعملون من الأفعال الحسنة والإحسان أعم من الإنعام والعدل إذ العدل أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له ‏(‏وأحب‏)‏ أي ارض ‏(‏للناس ما تحب لنفسك‏)‏ من الخير ‏(‏تكن مسلماً‏)‏ كامل الإسلام بأن تحب لهم حصول ما تحبه لنفسك من جهة لا يزاحمونك فيها فإن انتفت المحبة لنحو حقد أو غل أو حسد انتفى عنه كمال الإيمان وغاير في ما بين لفظي الإيمان والإسلام تفنناً إذ المراد بهما هنا واحد قال السدي لي ثلاثون سنة في الاستغفار عن قولي الحمد لله وذلك أنه وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال نجا حانوتك فقلت الحمد للّه فمذ قلتها فأنا نادم حيث أردت لنفسي خيراً دون المسلمين ‏(‏ولا تكثر الضحك‏)‏ بفتح وكسر وهو كيفية يحصل منها انبساط في القلب مما يعجب الإنسان من السرور ويظهر ذلك في الوجه والإكثار منه مضر بالقلب منهي عنه شرعاً وهو من فعل السفهاء والأراذل مورث للأمراض النفسانية ولذا قال ‏(‏فإن كثرة الضحك تميت القلب‏)‏ أي تصيره مغموراً في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها شيئاً من مكروه وحياته وإشراقه مادة كل خير وموته وظلمته مادة كل شر وبحياته تكون قوته وسمعه وبصره وتصور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه ولهذا قال لقمان ‏[‏ص 125‏]‏ لابنه يا بني لا تكثر الضحك من غير عجب ولا تمشي من غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما أخرت وقال موسى للخضر‏:‏ أوصني فقال‏:‏ كن بساماً ولا تكن غضاباً وكن نفاعاً ولا تكن ضراراً وانزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران وفي صحف موسى عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجباً لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجباً لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها وفي الحديث إيذان بالإذن في قليل الضحك لا سيما لمصلحته

- ‏(‏حم ت‏)‏ في الزهد ‏(‏هب‏)‏ وأبو نعيم في الحلية كلهم من حديث الحسن ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلم من يعمل بهنّ قلت‏:‏ أنا فأخذ بيدي فعد خمساً فقال‏:‏ اتق المحارم وإلى آخره قال الترمذي غريب منقطع انتهى‏.‏ قال المنذري‏:‏ وبقية إسناده فيه ضعف انتهى‏.‏ وفيه جعفر بن سليمان الضبعي شيعي زاهد أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه القطان ووثقه جمع وقال في الكاشف ثقة فيه شيء وفيه أيضاً أبو طارق السعدي قال الذهبي مجهول‏.‏

119 - ‏(‏اتق‏)‏ يا علي هكذا هو ثابت في رواية مخرجه الخطيب فكان الأولى للمؤلف عدم حذفه ‏(‏دعوة‏)‏ بفتح الدال المرة من الدعاء أي تجنب دعاء ‏(‏المظلوم‏)‏ أي من ظلمته بأي وجه كان من نحو استيلاء على ما يستحقه أو إيذاء له بأن تردّ إليه حقه أو تمكنه من استيفائه فإنك إن ظلمته ودعا عليك استجيب له وإن كان عاصياً مجاهراً فإنه إذا دعى عليك ‏(‏فإنما يسأل الله حقه‏)‏ أي الشيء الواجب له على خصمه ‏(‏وإن الله تعالى لن يمنع ذا حق‏)‏ أي صاحب حق ‏(‏حقه‏)‏ لأنه الحاكم العادل، نعم ورد أن الله سبحانه وتعالى يرضي خصوم بعض عباده بما شاء وفي خبر رواه ابن لال والديلمي وغيرهما أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها لبعض لكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردّها ولو كانت من كافر وقال ابن عبد العزيز‏:‏ إن الله يأخذ للمظلوم حقه من الظالم فإياك أن تظلم من ينتصر عليك إلا بالله تعالى فإنه تعالى إذا علم إلتجاء عبده إليه بصدق واضطرار انتصر له ولا بد، ‏{‏أمن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه‏}‏ وقال عبد الله بن سلام‏:‏ لما خلق الله الملائكة رفعت رؤوسها إلى السماء فقالت‏:‏ يا ربنا مع من أنت قال‏:‏ مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه قال الراغب‏:‏ والحق يقال على أوجه ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو ‏{‏وكان حقاً علينا نصر المؤمنين‏}

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة صالح بن حسان ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين ورواه عنه أيضاً أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الخطيب فعزو المصنف للفرع وإهماله الأصل غير صواب ثم قضية صنيعه أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة صالح بن حسان هذا كما تقرر وذكر أن ابن معين قال إنه ليس بشيء وأن البخاري ذكر أنه منكر الحديث والنسائي قال متروك وأبو حاتم ضعيف فإهماله لذلك واقتصاره على عزوه لمخرجه من سوء التصرف ثم إن فيه أيضاً منصور بن أبي الأسود أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال‏:‏ صدوق من أعيان الشيعة انتهى وبه عرف اتجاه رمز المؤلف لضعفه‏.‏

120 - ‏(‏اتقوا الله‏)‏ المستجمع لصفات العظمة وصيغة جمع المذكر في هذا ونحوه مما مر ويجيء واردة على منهج التغليب لعدم تناولها حقيقة الإناث عند غير الحنابلة ‏(‏في هذه البهائم‏)‏ أي في شأن ركوب ما يركب منها وأكل ما يؤكل منها ونحو ذلك وهي جمع بهيمة سميت به لاستبهامها عن الكلام أو لأنها مبهمة عن التمييز أو لانبهام أمرها علينا لا لانبهام الأمور عليها كما قيل فإن لها إدراكاً في الجملة قال في الكشاف‏:‏ البهيمة مبهمة في كل ذات أربع وفي البر والبحر في القاموس هي كل ‏[‏ص 126‏]‏ ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يميز وقال الراغب‏:‏ البهيمة ما لا نطق له لما في صورته من الاستبهام لكن خص في التعارف بما عد السباع لكن إنما أراد المصطفى بهذا الحديث الإبل فقط بدليل قوله وكلوها وبدليل السبب الآتي فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها وإضرارها ذكره القاضي ‏(‏المعجمة‏)‏ بضم الميم وفتح الجيم وقيل بكسر ما أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع وعطش‏.‏ وأصل الأعجم كما قال الرافعي الذي لا يفصح بالعربية ولا يجيد التكلم بها عجمياً كان أو عربياً سمى به لعجمة لسانه والتباس كلامه والقصد التحريض على الرفق بها والتحذير من التقصير في حقها ‏(‏فاركبوها‏)‏ رشاداً حال كونها ‏(‏صالحة‏)‏ للركوب عليها يعني تعهدوها بالعلف لتتهيأ لما تريدونه منها فإن أردتم ركوبها وهي صالحة للركوب قوية على المشي بالراكب فاركبوها وإلا فلا تحملوها ما لا تطيقه وكالركوب التحميل عليها ‏(‏وكلوها صالحة‏)‏ أي وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينة صالحة للأكل وخص الركوب والأكل لأنهما من أعظم المقاصد ذكره كله القاضي لكن ليس لمن وجب عليه هدي أو منذور الأكل منه قال القاضي‏:‏ وفيه وجوب علف الدواب وأن الحاكم يجبر المالك عليه وهو مذهب الشافعي والجمهور انتهى‏.‏ فيلزم المالك كفاية دابته المحترمة وإن تعطلت لمرض أو زمانة أكلاً وشرباً فإن امتنع الزم به من ماله أو ببيعها أو إجارتها أو ذبح المأكولة للأكل فإن أبى فعل القاضي من ذلك ما يراه ‏.‏

<تنبيه> ذكر بعض أكابر الصوفية أنه ينبغي شفقة الراكب على الدابة فيخفف بدنه عليها بكثرة ذكر الله على ظهرها فإنه مجرب للخفة عليها إذ الروح تشتاق إلى حضرة ربها في جهة العلو بحسب غلبة الوهم فتريد الصعود بجسمها إلى تلك الحضرة فلا يصير على الدابة من البدن إلا مجرد المماسة كما جربناه وذكر بعضهم أن الشيخ عبد العزيز الديريني كان إذا ركب دابة لا يحمل صوتاً قط ويردها بكمه ويقول هيهات عبد العزيز أن يقدر على ضربة بكم قميص

- ‏(‏حم د‏)‏ في الجهاد ‏(‏وابن خزيمة‏)‏ في صحيحه ‏(‏حب‏)‏ كلهم ‏(‏عن سهل‏)‏ ضد الصعب ‏(‏ابن‏)‏ الربيع ابن عمرو بن عدي المعروف بابن ‏(‏الحنظلية‏)‏ صحابي غير صغير أوسي والحنظلية أمه وبها اشتهر شهد أحداً وكان متعبداً متوحداً زاهداً قال‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فذكره وفي رواية عنه مر ببعير مناخ على باب أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله فقال‏:‏ أين صاحب هذا فابتغى فلم يوجد فقال‏:‏ اتقوا الله إلى آخره قال الهيتمي‏:‏ رجال أحمد رجال الصحيح وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته‏.‏

121 - ‏(‏اتقوا الله‏)‏ علق الاتقاء بالاسم العلم دون غيره من بقية أسمائه وصفاته لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بإدخال المهابة بسلطان الأسماء الجلالية ‏(‏واعدلوا‏)‏ ندباً ‏(‏في‏)‏ وفي رواية بين ‏(‏أولادكم‏)‏ أي سووا بينهم في العطية وغيرها لئلا يفضي التفضيل إلى العقوق والتحاسد وذلك بأن يسوي بين ذكورهم وإناثهم وقيل كالإرث فعدم العدل بينهم مكروه تنزيهاً عند الشافعي لما ذكر وتصح الهبة وقال أحمد إن خص أحدكم لا لمعنى فيه يبيح التفضيل حرم ولزمه التسوية إما برد ما فضل أو إتمام نصيب الباقي ويرده خبر مسلم أشهد على هذا غيري إذ لو كان حراماً لم يأذن له في استشهاد غيره وامتناعه من الشهادة تورع ولا يعارضه رواية إني لا أشهد على جور لأن المكروه جور إذ الجور الميل عن الاعتدال والعدل ملكة يقتدر بها على تجنب ما لا يليق فعله إذ هو وضع الشيء بمحله اللائق به في نفس الأمر وإذا طلب العدل بين الأولاد فبين غيرهم أولى فهو مطلوب حتى في الأمور الدينية فقد نقل ابن جماعة عن بعض مشايخه أنه كان يقسم ساعات النهار بين طلبنه بالرمل فإذا غاب أحدهم عن وقته يقول له مشى رملك ولا يقرئك ذلك اليوم

- ‏(‏ق‏)‏ البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض ‏(‏عن النعمان بن بشير‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية وهو ابن سعد الخزرجي أبي عبد الله الأمير ولي حمص ليزيد وقتل في آخر سنة أربع وستين قال‏:‏ أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال‏:‏ إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي فقال‏:‏ أكل ولدك نحلته مثل ‏[‏ص 127‏]‏ هذا قال‏:‏ لا قال‏:‏ فارجعه وفي رواية فقال‏:‏ أفعلت هذا بولدك كلهم قال‏:‏ لا قال‏:‏ اتقوا الله واعدلوا إلى آخره قال النعمان‏:‏ فرجع بي فرد تلك الصدقة وفي رواية قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم‏:‏ يا بشير ألك ولد سوى هذا قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أكلهم وهبت له مثل هذا قال‏:‏ لا قال‏:‏ فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور وفي رواية أشهد على هذا غيري ثم قال‏:‏ أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فلا إذن أخرجه الشيخان‏.‏

122 - ‏(‏اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم‏)‏ بفتح الياء التحتية والموحدة أي يحسنوا طاعتكم يقال بررت والذي أبره براً وبروراً أحسن طاعته ورفقت به وتحريت محابه وتوقيت مكارهه وذلك لأنه كما للآباء على الأبناء حق فللأبناء على الآباء حق وكما قال سبحانه وتعالى ‏{‏ووصينا الإنسان بوالديه‏}‏ وقال ‏{‏قوا أنفسكم وأهليكم ناراً‏}‏ فوصية الله للآباء بأبنائهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم وفيه ندب التسوية بين الأولاد في النحل وغيرها من أنواع البر حتى في القبلة ولو فعل خلاف ذلك لم يحرم فقد فضل أبو بكر عائشة بجذاذ عشرين وسقاً دون جميع أولاده وعمر عاصماً بشيء أعطاه وعبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم قال البيضاوي وقرر ذلك ولم ينكر عليهم فيكون ذلك إجماعاً

- ‏(‏طب عنه‏)‏ أي عن النعمان المذكور‏.‏

123 - ‏(‏اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‏)‏ أي الحالة التي وقع بها الاجتماع قال الحراني‏:‏ والإصلاح تلافي خلل الشيء وفي المصباح الصلح التوفيق أصلحت بين القوم وفقت بينهم وقال الراغب‏:‏ الصلاح ضد الفساد وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال والصلح مختص بإزالة النفار بين الناس ‏(‏فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين‏)‏ وفي رواية المسلمين أي أصلحوا فإن الله يحب الصلح ولذلك يصلح بين المؤمنين ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي يوفق بينهم بأن يلهم المظلوم العفو عن ظالمه ويعوضه عن ذلك بأحسن الجزاء وروى ابن مردويه عن أنس مرفوعاً إذا كان يوم القيامة نادى منادياً أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب‏.‏

- ‏(‏ع ك‏)‏ في الأهوال ‏(‏عن أنس‏)‏ وقال صحيح ورده الذهبي بأن فيه عباد بن شيبة الحبطي ضعفوه وشيخه سعيد بن أنس لا يعرف فأنى له الصحة‏.‏

124 - ‏(‏اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم‏)‏ من كل آدمي وحيوان محترم وغيرهما لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم أن اتقوا الله بحسن الملكة والقيام بما يحتاجونه وخافوا ما يترتب على إهمالهم والتفريط في حقهم من العذاب ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام فإنه حرام وعلموهم ما لا بد منه من طهر وصلاة وكل واجب ومندوب وأدبوهم على ترك المأمورات وفعل المنهي وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى السيد والأملاك تضاف إلى الأيدي لتصرف الملاك فيها باليد وإنما أضافها إلى اليمين دون اليد لأنه أبلغ وأنفذ إذ اليمين أبلغ في القوة والتصرف ولينبه على شرف اليمين

- ‏(‏خذ عن علي‏)‏ أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فذكره والمراد أن ذلك من آخر ما تكلم به رمز المؤلف لصحته‏.‏

125 - ‏(‏اتقوا الله في الصلاة‏)‏ التي هي حضرة المراقبة وأفضل أعمال البدن بالمحافظة عليها بشروطها وعدم ارتكاب منهياتها فإنها أول ما يحاسب عليه العبد وعلم الإيمان وعماد الدين وعموده ولما ذكر وصلة الخلق بالخالق وكان اهتمام الناس بمن يمون من أعظم دعائم الدين كما يشير إليه خبر كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون أو يعول اتبعها به ‏[‏ص 128‏]‏ إشارة إلى أن القيام بذلك واجب على المالك وجوب الصلاة التي لا عذر فيها ما دام مناط التكليف فقال ‏(‏و‏)‏ في ‏(‏ما ملكت أيمانكم‏)‏ من كل آدمي وحيوان محترم وغير ذلك لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم قال التوربشتي‏:‏ أراد المماليك ونحوهم وقرنه بالصلاة إيذاناً بأن القيام بقدر حاجتهم من نفقة وكسوة واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا يسعه تركها وشمل البهائم المملكة وقال الطيبي‏:‏ الحديث من جوامع الكلم عبر بالصلاة عن كل مأمور ومنهي إذ هي تنهى عن الفحشاء والمنكر وبما ملكت أيمانكم عن كل ما يتصرف فيه ملكاً وقهراً ولذلك خص باليمين فنبه بالصلاة على تعظيم أمر الله تعالى وبما ملكت أيمانكم على الشفقة على خلقه‏.‏ وقال المظهري‏:‏ أراد الزكاة وإخراجها من المال الذي تملكه الأيدي كأنه علم بما يكون من أمر الردة وإنكارهم وجوبها بعده فقطع حجتهم بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة ويؤيده أن القرآن والحديث إذا ذكر فيهما الصلاة فالغالب ذكر الزكاة بعدها‏.‏

- ‏(‏خط عن أم سلمة‏)‏ بفتح المهملة واللام هند أم المؤمنين بنت أمية بن المغيرة المخزومية وأبوها يعرف بزاد الراكب من أشراف قريش رمز المؤلف لضعفه‏.‏

126 - ‏(‏اتقوا الله في الضعيفين‏)‏ أي اجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية بالمواظبة على إيفاء حق الضعيفين أي اللذين لا حول لهما ولا قوة أو الضعيفين عن التكبر وعن أذى الناس بمال أو جاه أو قوة بدن قالوا‏:‏ من هما يا رسول الله قال‏:‏ ‏(‏المملوك والمرأة‏)‏ بأن تعاملوهما برفق وشفقة ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب ووصفهما بالضعف استعطافاً وزيادة في التحذير والتنفير فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم وانتقامه من ظالمه أشد ووجه ضعف المملوك كونه تحت قهر مالكه والمرأة امتهانها بالوطء ولزوم المنزل والقيام بحق الزوج والخطاب للولي والزوج أو عام ويدخلان دخولاً أولياً قال الحراني‏:‏ والضعف وهن القوى حساً أو معنى‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن‏)‏ عبد الله ‏(‏ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رمز المصنف لضعفه‏.‏

127 - ‏(‏اتقوا الله في الصلاة‏)‏ أي اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية بالمواظبة عليها رجاء لرضا ربكم وخوفاً من نقض العهد الذي عهده إليكم نبيكم بقوله ‏"‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة‏"‏ الحديث ‏(‏اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة‏)‏ كرره تأكيداً واهتماماً لأنها علم الإيمان وعماد الدين وطهرة القلوب من أدناس الذنوب واستفتاح باب الغيوب، محل المناجاة، معدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها مشارق الأنوار وتجمع من القرب ما تفرق في غيرها كطهر وستر وقراءة وذكر ويمتنع فيها ما يمتنع في غيرها وتزيد بأمور أخرى ‏(‏اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم‏)‏ فعاملوهم بالرعاية وتجاوزوا عما يصدر منهم من الجناية وفي الكشاف عن علي كرم الله وجهه أنه صاح بغلام له كرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال‏:‏ لم لم تجب قال‏:‏ لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك فأعتقه وقال‏:‏ من كرم الرجل سوء أدب غلمانه ‏(‏اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم‏)‏ كرره مرتين فقط إيماء إلى أن رعاية حق الحق آكد من رعاية حق الخلق ‏(‏اتقوا الله في الضعيفين‏)‏ قيل من هما يا رسول الله قال ‏(‏المرأة الأرملة‏)‏ أي المحتاجة المسكينة التي لا منفق لها سميت أرملة لما لها من الأرمال وهو الفقر وذهاب الزاد وأصل أرمل نزل بين جبال ورمال قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز أرمل افتقر وفني زاده وهو من الرمل ومنه الأرملة والأرامل وفي العين لا يقال شيخ أرمل إلا أن يشاء شاعر في تلميح كلامه كقوله‏:‏

هذي الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

‏[‏ص 129‏]‏ وأرملت المرأة ورملت من زوجها ولا يكون إلا مع الحاجة وعام أرمل وسنة رملى جدباء وكلام مرمل مريف كالطعام المرمل إلى هنا كلامه وقول الشافعي رحمه الله هي من بانت بفسخ أو طلاق أو وفاة اصطلاح فقهي وتقييده بالأرملة ليس لإخراج غيرها بدليل إطلاقها فيما قبله بل لأن رعاية حقها آكد ‏(‏والصبي اليتيم‏)‏ أي الصغير الذي لا أب له شرعاً ذكراً أو أنثى حث على الوصية بهؤلاء لأن ما تضمره النفس من التكبر تظهره فيهم لكونهم تحت قهرها فترى الإنسان يعمل الفكرة في وجوه العظمة عليهم ويتفكر في كيفية زجرهم وكيفية قهرهم وجوابهم عما يتعللون به من مخالفته‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ قال‏:‏ كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا‏:‏ اتقوا الله إلى آخره فجعل يرددها ويقول الصلاة وهو يغرغر حتى فاضت نفسه انتهى‏.‏ وقد رمز المصنف لحسنه لكن فيه بشر بن منصور الخياط أورده الذهبي في المتروكين وقال هو مجهول قبل المائتين‏.‏

128 - ‏(‏اتقوا الله‏)‏ خافوا عقابه واصبروا عن المعاصي وعلى الطاعات ‏(‏وصلوا‏)‏ بالتشديد ‏(‏خمسكم‏)‏ أي صلواتكم الخمس المعلوم فرضيتها من الدين بالضرورة أضافها إليهم لأنها لم تجتمع لغيرهم وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يناقضه قول جبريل لما صلى به الخمس في أوقاتها مرتين هذا وقت الأنبياء قبلك لاحتمال أنه وقتهم إجمالاً وإن اختص كل منهم بوقت ‏(‏وصوموا شهركم‏)‏ رمضان والإضافة للاختصاص على ما جرى عليه جمع لكن تعقب بحديث مرفوع خرجه ابن أبي حاتم صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم واحتج الأولون بأن المصطفى كان يصوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ولو كان مشروعاً قبلنا لصامه ولم يصم عاشوراء أولاً والصوم إذلال النفس لله بإمساكها عما تتشوف إليه نهاراً على وجه مخصوص وفرض بالمدينة قال الحراني‏:‏ وحكمة فرضه فيها أنهم لما أمنوا من عداوة الأمثال والأغيار عادت الفتنة خاصة في الأنفس بالتبسيط في الشهوات وذلك لا يليق بمؤمن يؤثر الدين على الدنيا ‏(‏وأدوا‏)‏ أعطوا ‏(‏زكاة أموالكم‏)‏ قال الحراني‏:‏ الزكاة كسر أنفة الغنى بما يؤخذ في حق أصنافها إظهاراً لكون المشتغلين بالدين آثر عند الله من الأغنياء وليتميز الذين آمنوا من المنافقين لتمكنهم من الرياء في العمود والركنين ولم يشهد الله بالنفاق جهراً على أحد أعظم من شهادته على مانع الزكاة وقدم الصلاة إتباعاً للفظ التنزيل ولعموم وجوبها على كل مكلف ولأن حسنها في نفسها بلا واسطة بخلاف غيرها وصرح بالمضاف في قوله زكاة أموالكم وأضمر في قوله خمسكم أي صلواتكم وأبهم في قوله شهركم أي رمضان للدلالة على أن الإنفاق من المال أشق وأصعب على النفس أي أنفقوا مما تحبونه ومما هو شقيق أنفسكم وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معاشهم ذكره الطيبي ولما كان السخط والرضا من أعمال القلوب زاد في رواية قوله ‏(‏طيبة‏)‏ بالتشديد أي منبسطة منشرحة ‏(‏بها أنفسكم‏)‏ يقال طابت نفسه تطيب انبسطت وانشرحت قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز طاب لي كذا إذا حل وطاب القتال والأنفس تذكر في مقام الشح غالباً كقوله تعالى ‏{‏ومن يوق شح نفسه‏}‏ وفيه إشارة إلى أنها تطيب المال ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏}‏ وأنه لا تجب عليهم الزكاة لأنها طهرة وهم مبرؤون من الدنس لعصمتهم ولأنهم لا يشاهدون لهم ملكاً مع الله ولم يذكر الحج في الرواية لأنه إن لم يكن له فرض فظاهر وإلا فكان المخاطبون يعرفونه وغالب أهل الحجاز يحجون كل عام وقد ذكره في رواية أخرى ‏(‏وأطيعوا ذا أمركم‏)‏ أي من ولي أموركم في غير إثم قال الطيبي‏:‏ وعدل عن قوله أميركم ليكون أبلغ وأشمل كما في قوله تعالى ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏ قال في القواطع الطاعة من الطوع والانقياد ومعناها تلقي الأمر بالقبول ‏(‏تدخلوا‏)‏ بالجزم جواب الأمر ‏(‏جنة ربكم‏)‏ الذي رباكم في نعمه وصانكم من بأسه ونقمه ويربي لكم الصدقات ‏[‏ص 130‏]‏ عنده حتى يصير الحقير عظيماً كما في خبر إن الله يقبل الصدقات فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه وهذا هو سر التعبير هنا بالرب دون غيره والمراد بالإدخال مزيد رفع الدرجات والتجاوز عن السيئات وإلا فمجرد الإيمان كاف لمطلق دخولها وقد أشار بهذا الخبر إلى أمهات الأعمال البدنية والمالية من الأفعال والتروك فالصلاة مشار بها إلى التجلي بكل خير والتخلي عن كل شر ‏{‏إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر‏}‏ والصوم المطلوب منه سكون النفس الأمارة بالسوء وكسر شهوتها عن الفضول بالجوارح لخمود حركة لذاتها وعنه يصفو القلب ويحصل العطف على الفقراء فإنه لما ذاق الجوع أحياناً ذكر به من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إليه الرقة فيبادر بالإحسان فينال من الجزاء ما أعد له في الجنان والزكاة طهرة للنفس عن دنس البخل والمخالفة وللمال بإخراج الحق لمستحقه والإنفاق خلافه والبخل عزل عن خلافة الله تعالى فمتى جاد الإنسان بالعطية عن طيب قلب ورضا نفس تمت خلافته وعظم فيه سلطانه وانفتح له باب إمداد برزق أعلى وإن بخل واستغنى تضاءل أمر خلافته وانقطع عنه المدد من الأعلى فبحق كانت الزكاة من أمهات الأعمال فافهم هذا المقال ‏.‏